توليد الطاقة من النفايات: حل نظيف في عصر الطاقة المتجددة
مانيولا هولينجر
رئيس الاتصالات
هيتاشي زوسن إنوفا زيورخ
البريد الإلكتروني: manuela.hoellinger@hz-inova.com
روني أرايجي
مدير الإدارة
هيتاشي زوسن إنوفا فرع أبوظبي
البريد الإلكتروني: roni.araiji@hz-inova.com

لا يمكننا إغفال مشكلة التغير المناخي والاقتصاد الذي لا يعتمد على الكربون والطاقة المتجددة، فتلك المشكلات تتصدر موضوعات النقاش العام في جميع أنحاء العالم، وفي الوقت ذاته يزداد حجم النفايات على نحو غير متكافئ وبوتيرة أسرع مقارنة بتعداد سكان العالم، فالنفايات ما هي إلا نتاجًا حتميًا للحياة الحديثة، ولكن تلك المشكلة تعتبر مصدر تهديد إذا خرجت عن نطاق السيطرة، وحسب تقرير البنك الدولي، فإن الإنتاج العالمي للنفايات سيبلغ 2.2 بليون طن متري سنويًا بحلول عام 2025، مقابل 1.3 بليون في عام 2010، وترجع تلك الزيادة المهولة إلى تطور الاقتصاد العالمي والنمو السكاني والتوسع الحضري، وعلى نحو موازٍ مع كمية النفايات، ثمة العديد من مواطن الضعف التي تواجه معالجة النفايات، فمدافن النفايات تعمل على تشويه الأحياء السكنية، كما أنها لا تتيح المجال للاستخدام المستدام للنفايات، وتلوث المياه الجوفية والغلاف الجوي على مدى العقود القادمة، وتشير الأرقام إلى أن حوالي 10% من الغازات الدفيئة على مستوى العالم نابعة من مدافن النفايات.

تقنيات مثبتة في طريقها للتقدم لمعالجة النفايات


يسعي عدد متزايد من البلدان والمناطق إلى حل تلك المشكلات عن طريق إيجاد حل شامل وهو توليد الطاقة من النفايات، ويتضمن ذلك إما جمع النفايات المنزلية الصلبة وفصلها عن باقي النفايات أو تصنيفها قبل معالجتها في مصنع توليد الطاقة من النفايات، وفي الوقت ذاته، يتم التوجه إلى إعادة استخدام الطاقة الموجودة في النفايات غير القابلة لإعادة التدوير بالإضافة إلى المواد المستعادة من المخلفات القابلة لإعادة التدوير وإدخالها في الدائرة الاقتصادية من جديد.

ويوجد نوعان من تلك العملية: العملية الحرارية والعملية البيولوجية، فمن أكتر الطرق انتشارًا للمعالجة الحرارية للنفايات هي ترميد النفايات، بحيث لا يوجد أي سبيل لإعادة تدويرها، وتسهم هذه الطريقة في تقليل حجم النفايات بحوالي 85%، فيتم إزالة الملوثات وتحييدها عن طريق إجراء عملية معالجة معقدة لغاز المداخن تخضع لحدود قصوى وشروط صارمة من السهل أن يتبعها أي مصنع توليد طاقة من النفايات أو حتى يحسنها.

في نفس الوقت، يولد المصنع الطاقة باستخدام الحرارة الناتجة من عملية الاحتراق لإنتاج البخار الذي يمر من خلال توربينات تحت ضغط مرتفع، يمكن للطاقة المولدة تغذية شبكة الطاقة على أنها كهرباء أو تغذية شبكات التدفئة القطاعية على أنها حرارة، وتُستخرج المواد الحديدية وغير الحديدية من رماد القاع ويتم تغذية دورة إعادة التدوير، أما المخلفات الأخرى فيتم استخدامها في بناء الطرق أو يتم التخلص منها بطريقة آمنة.

ويثبت تاريخ توليد الطاقة من النفايات أن التقنيات أصبحت فعالة ومستدامة، ففي بادئ الأمر، كان ينصب الاهتمام على النفايات بجعلها أكثر أمنا من الناحية الصحية، وبعد ذلك اختلف الأمر وأصبح التركيز على المسائل المادية والاعتبارات البيئية، أما في هذه الأيام، فإن الأولويات المستهدفة هي كفاءة المصنع ومعدلات السلامة به وتأمين عمليات التشييد والتشغيل، فقد كانت المحطات الحديثة لتوليد الطاقة من النفايات التي أنشئت لأول مرة في الثمانينيات والتسعينيات تتجه إلى التركيز في المقام الأول على تقديم أداء عالي الجودة فيما يتعلق بالقدرة الإنتاجية للنفايات، فالعديد من التطورات التي كانت بمثابة ابتكارات في تلك الأيام تعد الآن أمرًا مسلمًا به في المحطات المعاصرة لتوليد الطاقة من النفايات.

وخلال الفترة نفسها، كانت القضايا البيئية تتزايد أهميتها، كما أعاد المجتمع النظر في علم البيئة وتحول محط التركيز على توافق التقنيات المستخدمة في محطات توليد الطاقة من النفايات مع البيئة، وحينئذ شجع أصحاب المحطات إحراز تقدم كبير في معالجة غاز المداخن والقيام بعملية ترميد النفايات بطريقة فعالة، وهو الأمر الذي أدى إلى مساهمة منشآت توليد الطاقة من النفايات في تخفيض نسبة الانبعاثات بشكل كبير مقارنة بالمحطات التي تعمل بالفحم، وقد وصلت تلك المحطات الآن إلى مستوى عالٍ فيما يخص التقنيات المستخدمة، إلى جانب إحرازها الكثير من التقدم على الصعيد البيئي وكفاءة استخدام الطاقة، كل ذلك ساهم في جعل توليد الطاقة من النفايات مصدراً مهماً لإنتاج طاقة حمل أساسي متجددة.

مصنع أوسلو لتوليد الطاقة من النفايات في أوسلو، النرويج

محطات توليد الطاقة من النفايات جزء من المدن الحديثة

إيسي ليه مولينو، محطة توليد طاقة في باريس، فرنسا

تبنت العديد من عواصم العالم تقنيات توليد الطاقة من النفايات، فتوجد محطات لمعالجة النفايات في عدة عواصم أوروبية، بما في ذلك إيسي ليه مولينو في باريس وريفرسايد في لندن وبولبيرج في دبلن وغيرها من المحطات في أوسلو وإدنبرة.

فالنفايات في باريس يتم معالجتها داخل المنشآت المطلة على برج أيفل، بما في ذلك محطة إسيان لتوليد الطاقة من النفايات، فالمنظر الخارجي للمبنى يوحي بأنه مركز تسوق وليس منشأة عالية الكفاءة لمعالجة النفايات، ومن الداخل يعمل بأحدث الأساليب التقنية المتطورة، مع وجود خطي احتراق مخصصين لمعالجة 460,000 طن متري من النفايات سنويًا بغرض توليد الكهرباء وإمداد حوالي 80,000 منزل بالتدفئة القطاعية – أي ما يعادل 110,000 طن متري من زيت التدفئة، وتقع معظم التركيبات التقنية تحت الأرض، ويعد ذلك من أحد المميزات لمنع وصول التلوث الضوضائي والانبعاثات للمناطق السكنية المجاورة للمحطة.

على غرار محطة باريس، فمركز ريفرسايد لاستعادة الموارد في لندن الواقع على ضفاف نهر التايمز يتميز بكفاءته وتمتعه بمعدلات السلامة كما أنه صديق للبيئة، فالواقع المتمثل في أن النفايات غير القابلة لإعادة التدوير يتم نقلها عبر نهر التايمز باستخدام مراكب للبضائع يدل على أن عدد الشاحنات في شوارع شرق لندن انخفض بواقع 100,000، وكل ذلك يصب في مصلحة المنطقة المحيطة بالمنشأة، فخطوط الاحتراق الثلاثة الموجودة في المحطة تعمل على استهلاك 585,000 طن متري من النفايات وتوليد 65 ميجاواط من الكهرباء سنويًا، وهي كافية لتغطية احتياجات 66,000 منزل.

محطة ريفرسايد لتوليد الطاقة من النفايات في لندن، المملكة المتحدة

فالمحطات التي تعتبر جزءاً أساسياً من المنظر الطبيعي في شمال ووسط أوروبا تلقى قبولًا في المناطق التي حتى الآن يندر أو حتى ينعدم فيها وجود محطات لتوليد الطاقة من النفايات، فمع ظهور مشكلة إسطنبول مع القمامة على الساحة في السنوات الأخيرة، أعلنت تركيا بأنها تنوي بناء أكبر محطة توليد طاقة من النفايات في أوروبا، ويعد ذلك تطورًا ليس على نطاق المدينة فحسب، بل على نطاق المنطقة بأكملها، ويتوقع أن تعالج المحطة في المستقبل ما يقرب من 15% من نفايات إسطنبول، وأن تسهم في توليد 70 ميجاواط من الكهرباء باستهلاك 1,000,000 طن متري من النفايات سنويًا، ويعد ذلك من إحدى الخطوات المهمة التي ستدفع المدينة نحو الإدارة المستدامة للنفايات، فمن المتوقع أن تشارك المحطة في إزالة حوالي ربع حجم المخلفات الموجودة في الاتحاد الأوروبي.

وبالإضافة إلى تنظيف البيئة الطبيعية والمعيشية وتحسينها، سيسهم ذلك المشروع الضخم في تحسين اقتصاد المنطقة، فالأمر لا يتمحور فقط حول إنتاج الموردين المحليين لما يزيد عن 20% من المكونات، ولكن سيقوم موظفون مهرة من المنطقة بكافة أعمال البناء.

مساهمة دبي في خلق بيئة مستدامة: إنشاء أكبر محطة لتوليد الطاقة من النفايات في العالم

تم الإعلان في دبي عن أحدث مشروع رئيس لتوليد الطاقة من النفايات مؤخرًا في فبراير 2018؛ حيث سيبدأ تشغيل أكبر محطة في العالم لتوليد الطاقة من النفايات حتى الآن في عام 2021. تعتبر دبي واحدة من أسرع المدن نمواً في العالم. تسعى الإمارة المطلة على الخليج العربي جاهدةً لجعل اقتصادها مزدهرًا مستدامًا قدر الإمكان كما تسعى بالمثل إلى الاستثمار بشكل متزايد في المشاريع الخضراء. وقد أطلقت دبي مجموعة من المشاريع المصممة لتحسين البيئة والحفاظ عليها وحماية الموارد الطبيعية مثل مشروع خطة دبي الاستراتيجية لعام 2021، والأجندة الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة لعام 2021، واستراتيجية دبي المتكاملة للطاقة لعام 2030، واستراتيجية دبي للطاقة النظيفة لعام 2050. ثمة مشاريع أخرى نفذتها الدولة تهدف إلى تشغيل المصادر المتجددة في كافة أنواع الطاقة في دبي. حددت الإمارات العربية المتحدة لنفسها هدفاً شاملاً طموحاً يرمي إلى تحقيق أقل نسبة من انبعاثات الكربون في العالم بحلول عام 2050.

سيبدأ تشغيل محطة توليد الطاقة من النفايات في دبي في عام 2021، وستعالج المحطة ما يصل إلى 1,825,00 طن من النفايات سنويًا، وستولد 171 ميجاواط من الكهرباء.

وقد بذلت مدينة دبي بالفعل جهودًا قصوى كجزء من استراتيجية الاستدامة السالف ذكرها، بما في ذلك منشأة دبي لاستعادة الموارد، وهي محطة جديدة تم إنشاؤها مؤخرًا وتمثل نقطة تحول رئيسة في تحقيق الأهداف الموضحة أعلاه. ومن المقرر أن يتم تشغيل المنشأة، التي ستقوم شركة هيتاتشي زوسين إنوفا السويسرية بتشييدها بالتعاون مع شركة البناء البلجيكية بيسيكس، في عام 2021. ومن هذا المنطلق، سيقوم المصنع بمعالجة 5,000 طن متري من النفايات البلدية من منطقة دبي في اليوم – أي ما يعادل 1,825,000 طن متري سنوياً - لإنتاج الطاقة المتجددة. وسيتم تغذية 171 ميجاواط من الكهرباء المولدة في الشبكة المحلية كطاقة شحن الحمل الأساسي، مما يوفر طاقة منزلية تزيد عن 120,000 أسرة.

سيمثل المشروع خطوة رئيسة في جهود المنطقة الرامية إلى الإدارة المستدامة والصديقة للبيئة من أجل وجود مدينة عالمية تنمو باطراد نحو المستقبل. ونظراً لدور دبي الرائد، هناك جهودًا أخرى لتطوير المزيد من مشاريع توليد الطاقة من النفايات، بحيث تمثل التكنولوجيا حلًا من الدرجة الأولى يتيح إدارة النفايات النظيفة وتوليد الطاقة المتجددة.