المدن منخفضة الكربون: دروس مستفادة من مدينة سان خوسيه، كاليفورنيا
الينا كريت
مدير شبكة حلول التنمية
المستدامة التابعة للأمم المتحدة
elena.crete@unsdsn.org
جيدو شميت تراب
المدير التنفيذي لشبكة
حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة

تمتلك المدن إمكانيات هائلة تستطيع أن تخطوا من خلالها نحو مستقبل ينخفض فيه الإنتاج الكربوني على نحو يتلاءم وتنفيذ اتفاق باريس للمناخ. وطبقًا لمشروع الكشف عن انبعاثات الكربون (CDP)، تستهلك المدن نحو ثلثي طاقة العالم؛ حيث تأتي الولايات المتحدة كثاني أكبر مصدر للغازات المسببة للاحتباس الحراري تصل فيها النسبة إلى 16.5 طن سنويًا للفرد الواحد [1] بجانب 30% من الانبعاثات الصادرة من قطاع الكهرباء [2]. وتضم المدن داخل الولايات المتحدة 60% من السكان [3]. ونظرًا لعدم قيام الحكومات الوطنية بالولايات المتحدة بأخذ خطوات جادة، تضطلع المدن داخل الولايات المتحدة ببذل جهود رامية لتقليل الانبعاثات.

وأحد الأمثلة على ذلك يتمثل في مدينة سان خوسيه بكاليفورنيا التي تحتل المرتبة العاشرة باعتبارها إحدى المدن الكبرى بالولايات المتحدة والتي اتخذت خطوات جادة للمضي قدماً نحو مستقبل منخفض الكربون وتعزيز الاقتصاد المتنامي، تنتهج في ذلك عمليات تخطيط طويلة الأجل. ومنذ اعتماد الأمم المتحدة للاهداف ال 17 للتنمية المستدامة، علاوة على اتفاق باريس للمناخ في 2015، تمكنت مدينة سان خوسيه من موائمة جهودها التنموية مع هذه البرامج العالمية. وفي عام 2016، اشتركت مجموعة بحثية بجامعة سان خوسيه مع منظمة غير هادفة للربح مقرها نيويورك في إنشاء شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة لنشر تقييم حول دور حلول التنمية المستدامة في وضع رؤية طويلة المدى للمدينة وتسهيل عمليات تخطيط أكثر شمولية لتسريع وتيرة النمو الاقتصادي. وقد استطاعت المدينة من خلال هذا التقييم تحويل خطة الرؤية الخضراء لمدينة سان خوسيه إلى خطة شاملة لتحقيق التنمية المستدامة.

الشكل 1: أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في مدينة سان خوسيه

تسعى المدينة من خلال هذه العملية إلى وضع إطار عمل يلقى قبولًا واسعًا بهدف تنفيذ الرؤية الخضراء لمدينة سان خوسيه والذي حدد سبلًا للاستفادة من وظائف التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة والمباني الصديقة للبيئة والحد من النفايات وتحسين وسائل النقل. وفي إطار هذه الرؤية، التزمت مدينة سان خوسيه بأن تكون %100 من الطاقة الكهربائية الصادرة منها من مصادر متجددة بحلول 2022. الجدير بالذكر أن عدد سكان المدينة يبلغ مليون نسمة تقريبًا، وأن حوالي%89 من انبعاثات الغازات الدفينة مصدرها وسائل النقل وقطاعات الطاقة، وهو ما كان له أكبر الأثر في التوسع في هذه الالتزامات [4]. ومع ذلك، بدون تفعيل دور المجتمع المدني وموافقته ووجود تفهم متبادل عن كيفية تحقيق هذه الرؤية، تظل هذه الوثيقة دربًا من الخيال وليست خطة قابلة للتحقيق.

وضعت مدينة سان خوسيه على مدار السنة الماضية خطة الاستدامة البيئية وكان نتاجها مدينة سان خوسيه الذكية مناخيًا: خطة محورها البشر لمدينة منخفضة الكربون في فبراير 2018. تركز الخطة على الحد من انبعاثات الطاقة والماء والمواصلات مع الحفاظ على النمو الاقتصادي للمجتمع. وهي تتماشى بوضوح مع اتفاق باريس للمناخ: "تسلم الخطة كذلك بأنه مع انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ (اتفاق باريس)، فإن العديد من المدن – بما فيها مدينتا- يشرفها التعهد بتنفيذ اتفاق باريس للمناخ بدلًا من العمل الاتحادي. [5]" وقد ساعد هذا التوافق المدينة في اتباع نهج أكثر شمولًا وطموحًا للحد من الانبعاثات. وفي مقدمة الخطة، أكدت المدينة " لقد قمنا بتحطيم الأرقام لفهم أن التغيرات في بعض المناطق سيكون لها تأثير على الآخرين في مناطق أخرى، بما في ذلك توسيع نطاق الطاقة المتجددة وإدخال تقنية السيارات الكهربائية ومشاركتها ووضع استثمارات في البنية التحتية العامة ودور الوظائف المحلية في المساهمة في تحقيق الاستدامة لنا." إن فهم هذه الفوائد الجانبية سيسمح للمدينة بتعظيم إمكانات الأموال العامة وفهم مدى تأثير قرارات المجموعات المختلفة على بعضها البعض.

من أهم عوامل النجاح الرئيسة في تطوير هذه الخطة هي مشاركة جميع أصحاب المصالح داخل المدينة. عند وضع الصياغة الأولى للرؤية الخضراء لمدينة سان خوسيه، رحبت المدينة بمساهمات مجموعة متنوعة من المشاركين. وقد عقدت وزارة الخدمات البيئية 13 اجتماعاً عاماً و6 ورشات عمل تقنية منذ 2017. ولا تزال المدينة تعقد اجتماعات منتظمة بالتعاون مع الجامعات المحلية لمعرفة أحدث الأبحاث المهتمة بالتنمية المستدامة وما يدور حول التحول إلى بنية تحتية منخفضة الكربون. وبمشاركة جامعة سان خوسيه الحكومية في مبادرة المدن المستدامة بالولايات المتحدة الأمريكية التابعة لشبكة حلول التنمية المستدامة، فهي واحدة من الجامعات المدعوة للتشاور مع المدينة حول كيفية دعم المجتمع الجامعي للجهود التي تبذلها المدينة. ومن خلال هذا التعاون، تعكف مجموعة من الطلاب الخريجين على العمل عبر لوحة بيانية على الشبكة بحيث يمكن الاستفادة منها في تتبع التقدم المحرز لتحقيق أهداف الرؤية الخضراء لمدينة سان خوسيه والتنمية المستدامة.

نستنبط من نموذج مدينة سان خوسيه بكاليفورنيا ما يلي: 1) إنتاج استراتيجية للتنمية المستدامة تمتد لسنوات وتعميمها لدعم النمو الاقتصادي وتحقيق رفاهية المجتمع وأهداف الحد من الانبعاثات وتحديد الاستحقاقات المتداخلة؛ 2) عمل تشاور لأصحاب المصالح تجمع بين الهيئات الحكومية والمجتمع المدني وقطاع الأعمال والجامعات لموائمة الجهود وضمان التأييد. وبإمكان العديد من المدن داخل المنطقة العربية تطبيق هذه الدروس على عملية تخطيط المدينة؛ حيث قامت مدينة مصدر على سبيل المثال بصياغة رؤية جسورة لمستقبل مستدام. إن الاستفادة من تجربة سان خوسيه ومدن أخرى واعتمادها أهداف التنمية المستدامة من شأنه مساعدة مدينة مصدر وغيرها من المدن أن تتولى ريادة وضع معايير للتنمية الحضرية في المنطقة.

هذا ومع حرص الحكومات الوطنية على وضع مسارات طويلة الأجل للوفاء بالالتزامات العالمية (بما في ذلك تلك المنصوص عليها في اتفاق باريس للمناخ)، سيكون من الأهمية بمكان دعوة الحكومات دون الوطنية وأصحاب المصالح بالمناطق الحضرية إلى المشاركة. في الولايات المتحدة، يرى 8 من 10 من رؤساء البلديات مدى أهمية مواجهة مدنهم لتغير المناخ [6] . بينما يجب استكمال أطر العمل الوطنية المصاغة باستخدام نماذج عمل بسيطة للمدن وأن تكون أكثر ارتباطًا بالبنية التحتية والمجتمعات التي تؤثر بشكل أساسي على التغيير. تعتبر الحكومات دون الوطنية كما يتضح من الولايات المتحدة ومدن مثل سان خوسيه عناصر فاعلة في تحقيق غد أخضر والتحول إلى مستقبل منخفض الكربون.

المراجع:

[1] "انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون (بالأطنان المترية لكل فرد)"، مركز تحليل معلومات ثاني أكسد الكربون، قسم العلوم البيئية. بيانات البنك الدولي، مارس 2018https://data.worldbank.org/indicator/EN.ATM.CO2E.PC .
[2] "مصادر انبعاثات الغازات الدفينة" وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA)، مارس 2018، https://www.epa.gov/ghgemissions/sources-greenhouse-gas-emissions.
[3] “U.S. Cities are Home to 62.7 Percent of the U.S. Population, but Comprise Just 3.5 Percent of Land Area”, Newsroom, US Census, March 4, 2015, https://www.census.gov/newsroom/press-releases/2015/cb15-33.html.
[4] "ملحق أ- جرد الغازات الدفينة"، مذكرة جرد الانبعاثات على صعيد المجتمعات. 1 أبريل 2016، https://www.sanjoseca.gov/DocumentCenter/View/55505.
[5] "سان خوسيه، الذكية مناخيًا: خطة محورها البشر للتنمية المستدامة"، مدينة سان خوسيه، فبراير 2018، , http://www.sjenvironment.org/DocumentCenter/View/75034.
[6] "2018 استطلاع رأي رؤساء البلديات الأمريكية"، بلومبيرغ، مبادرة المدن الأمريكية، مؤسسة بلومبيرغ الخيرية، أبريل 2018، https://www.bbhub.io/dotorg/sites/2/2018/04/American-Mayors-Survey.pdf